السبت 23 نوفمبر 2024

رواية ضبط واحضار بقلم منال سالم(كاملة جميع الفصول)

انت في الصفحة 11 من 34 صفحات

موقع أيام نيوز

التأهب والاستعداد لم يكن هناك أي مظلة يستظل بها أحد فقط بضعة خيام منصوبة على بعد عدة أمتار من هذه المساحة مخصصة للراحة وأيضا للعلاج في

حالة الطوارئ. 
اشرأبت بهاء بعنقها للأعلى قليلا لتتمكن من رؤية عمر حينما أخذ يتحدث بشيء من الإيضاح
احنا في المحاضرات السابقة اتكلمنا عن أهمية نزع الألغام وخصوصا إنها تعتبر من مخلفات الحروب وضررها كبير سواء على المدنيين أو حتى الدولة.
انتشرت همهمات خاڤتة بين الواقفين وعمر لا يزال يخاطبهم في لهجته الجادة
العملية دي مكلفة جدا لكنها أمر أساسي من أجل حماية الأرواح البريئة والاستفادة من 
صمت للحظات وعيناه تطوفان على الأوجه الحائرة والمتسائلة قبل أن يستطرد مرة أخرى
النهاردة احنا عاملين محاكاة ميدانية بسيطة لعملية نزع الألغام وفيها بنعرفكم على الأدوات المستخدمة للكشف عن اللغم وإزاي بيتم نزعه.
ما زال الجميع في حالة من الاستغراب والتردد ورغم هذا كان على درجة عالية من الثقة والكفاءة وهو يسترسل في شرحه
والمفروض هنقوم بعملية التطهير اليدوي للألغام والمطلوب من حضراتكم تحديد أماكن الألغام الوهمية باستخدام المجسات الحرارية وفي فريق متخصص هيقوم بفكها وتنظيفها.
طبعا لازم تكونوا عارفين إن أخطر أنواع الألغام هي اللي بتكون مضادة للدبابات دي تأثيرها مدمر.
ارتفعت الهمهمات نسبيا وبدت الوجوه قلقة ومضطربة لذا أشار بيديه قائلا في صوت حازم
مش عايزكم تقلقوا احنا هنكون معاكم وفي فريق متخصص هيساعدكم ويرشدكم طوال التدريب.
لحظتها هدأ الصخب فأكمل محذرا بجدية شديدة
بس لازم تحطوا في دماغكم إن أول خطأ هو الأول والأخير يعني الغلطة تكلفتها حياتك.
في استنكار منزعج تساءلت بهاء بصوت خفيض وكأنها توجه استهجانها إليه خلسة
هو كده بيطمنا يعني
سمعت شكواها رفيقتها المرتاعة وهتفت پذعر راح يتصاعد بسرعة الصاروخ لمجرد تخيل تجربتها للأمر
أنا هيغمى عليا!
انتبهت الاثنتان إليه عندما تكلم مرة أخرى مشيرا بيده نحو كومة من الثياب مرصوصة بنظام عند الخيام
في لبس خاص مجهزينه لحضراتكم بعدد كل الحاضرين النهاردة وطبعا راعينا اختلاف المقاسات بينكم.
تحولت الأعين تجاه المنطقة المشار إليها قبل أن يوجه سؤاله للجميع مختتما كلامه
في أي أسئلة قبل ما نقسمكم لمجموعات
تخلت عن رهبتها لتتحلى بقدر من الشجاعة فرفعت من نبرتها وسألته بتحد
معلش يعني هو احنا المفروض نشارك في الحكاية دي اللي أقصده إن ده دور الراجل!
فجأة أديرت كافة الأعنق ناحيتها ليحدقوا فيها باستغراب فأحست بالحرج لتسلط الأنظار عليها لكنه لا يقارن بنظرة عمر القوية المصوبة نحوها دون غيرها تقدم بخطوات ثابتة تجاهها فكان من يمر بجواره يتنحى للجانب وكأنه يسهل عليه الطريق للوصول إليها خاصة وهو يخاطبها بثبات
معلوماتك غلط لأن حوالي 25 من المشاركين في عمليات نزع الألغام على مستوى العالم من النساء ده غير إن نسبة كبيرة جدا منهم موجودين في الأمم المتحدة وبيساهموا بدور فعال في حل الأزمة دي يعني نقدر نقول باختصار إن دورهم لا يقل عن دور أي راجل بيقوم بالنوع ده من المهام الخطېرة.
أنهى جملته الأخيرة وهو يقف في مواجهتها ليبتسم قليلا بغموض قبل أن يطلب منها
وعلشان كده هنبدأ بيكم الأول!
حملقت فيه بهاء بنظرة مذهولة في حين قفزت بسنت في مكانها مذعورة وخرج صوتها كالصړاخ وهي تتساءل
مين
حاد ببصره عنهما لينظر إلى الحاضرين قائلا 
الأستاذة بهاء وصاحبتها هيكونوا أول المشاركين معانا...
لقد وضعها حقا في مأزق فقبل أن تبدي بهاء اعتراضها أو حتى ترفض أن تخوض التجربة أولا كنت مدفوعة للأمام وبتشجيع من الشابات المشاركات أيضا في التدريب لخوض هذه التجربة المخيفة. استطاعت أن تسمع صوته يستحثها على المضي قدما
احنا نحب نشوف إبداعكم وتفوقكم في المنطقة أ.
كانت بسنت ترتجف كليا فأشفقت عليها بهاء وخاطبتها ساخرة وهي تسير بجوارها
استودعك الله أشوفكم في الآخرة في جنة الخلد 
بينما استمر عمر في توجيه أوامره للبقية
ودلوقت هقسم حضراتكم لمجموعات من فردين ل 3 أفراد.
واصلت بهاء تقدمها نحو إحدى الخيمات بعدما استلمت ثيابها الجديدة لتستدير ناظرة نحو عمر الذي كان يتابعها بنظراته المستمتعة لوح لها بيده وكأنه يتحداها أن تصمد في مهمة لا تفقه فيها شيئا وقد كان محقا في ذلك! 
بعد قيامهما بتبديل ثيابهما الرياضية إلى أخرى واقية وضعت كلا من بهاء وبسنت خوذة على رأسيهما وقناعا شفافا أمام وجهيهما لتبدأ الاثنتان في التحرك

مع مرشد مجموعتهما ليستمعا بإصغاء وانتباه لما يمليه عليهما من أوامر لإجراء التجربة العملية في المنطقة الخاصة بهما بينما يراقب الجميع ما تقوما به بتركيز شديد.
باستخدام الحبال والعصي وذلك المجس الحراري حددت كلتاهما المناطق التي تم التأكد من خلوها من الألغام ليتمكن غيرهما من السير عليها بسلاسة وبلا خوف. ظنت بسنت أن المسألة في غاية السهولة لذا تقدمت في تعجل وبلا حذر نحو الأمام فتسببت في الضغط بقدمها على لغم خفي لم تره ليصدر صوتا مفزعا بجانب نثر المياه الملونة عليها قبل أن تطرح أرضا وكأنها تعرضت للهلاك مجازا بالطبع طال الضرر رفيقتها وارتمت على الأرضية شبه الطينية فكانت مثلها في حالة رثة.
من مسافة لا تبدو بعيدة عنهما تقدم عمر ناحيتهما بخطى مسرعة ليقول مشيرا بيده لمن جاءوا خلفه
ده مثال حي للي هيحصل على أرض الواقع لو استهنا بالأمر ودوسنا على اللغم زي الأستاذة بس الفرق إنك هتكون أشلاء.
حل الامتعاض على كافة تعبيرات وجه بهاء ومع ذلك تجاهل ما يظهر على ملامحها ليكمل وهو ينظر إليها من علياه
طبعا لو لابسة بدلة واقية راسك هتطير وتتفتت بس باقي جسمك هيكون مع بعضه.
دمدمت في صوت مستنكر خاڤت وهي تستند بمرفقيها على العشب الرطب
كده أنا المفروض أرتاح يعني
لم يبتسم وواصل الحديث إلى باقي الواقفين لتنهض بعدها بهاء من رقدتها المهينة قبل أن تتجه نحو رفيقتها وتعاونها على القيام لتسمع صوته يجيء من خلفها ليحذرها بصرامة
يا ريت ناخد بالنا أكتر من كده.
هزت رأسها في طاعة قبل أن تتجمد في موضعها عندما أكمل أوامره
اتفضلوا عيدوا من الأول بس في المنطقة ج.
برزت عيناها في محجريهما متسائلة بذهول
احنا مش موتنا خلاص هنجرب تاني ليه
زجرها هاتفا بنظرة قاسېة
هنهزر اتفضلي.
أومأت برأسها وهمهمت بتذمر ساخط
أوكي حاضر هروح أهو.
كان تأثير الوقعة كبيرا على بسنت فبدت مترنحة إلى حد ما وتساءلت وهي لا تصدق ما فاه به
هو احنا هنعمل زي ما قال
جاوبتها ساخرة في تهكم أكبر
أيوه تم بعثنا من جديد وهنقوم نشوف هننفجر إزاي من تاني لأن المرة الأولى مش أد كده مدخلتش مزاجه.
ضبطت بسنت الخوذة على رأسها مبدية تذمرها الشديد
يا ختاي! أنا مافياش حيل للانفجار أكتر من كده.
أخذ العرق يتفصد من جبينها وهي تعيد تكرار التجربة مرارا وتكرارا كانت بهاء مرهقة للغاية يسيطر عليها التعب ناهيك عن تلطخ وجهها بالتراب وامتزاجه بعرقها فأصبحت ملامحها مخبأة تحت الطين والأغبرة. هذه البقعة تحديدا احتوت على مئات الألغام وكأن درجة الاختبار تزداد صعوبة بانتقالهما من منطقة لأخرى أثناء إجراء المحاكاة الميدانية وبالتالي بذلت مجهودا مضنيا للتركيز ولتجنب خطړ التعرض للمۏت المفاجئ. سارت بسنت على حذاها وهي تسألها
هو احنا انفجرنا كده كام مرة
فيما يشبه السخرية أجابتها بعدما توقفت لتأخذ نفسها
بتاع 15 مرة.
ردت عليها في يأس
يا لهوي احنا فشلة أوي.
جاء تعقيبها ساخطا
أكيد تقييمنا هيكون تحت الصفر في التدريب ده.
حين رفعت بسنت رأسها للأعلى لتنظر أمامها تسمرت وهتفت في فزع
صاحبنا جاي علينا.
من تلقاء نفسها استدارت بهاء لتتجنب مواجهته وخاطبت صديقتها بتجهم
اديله ضهرك أوام كأننا مش شايفينه.
أيدتها في الرأي وقالت وهي تفعل المثل
معاكي حق مش ناقصين تنمر منه.
أضافت عليها بعدئذ في سخرية مريرة
ده كفاية إننا بقينا ملطشة الأكاديمية زمانهم عملوا مننا كوميكس للواتساب.
المرادي إنتو أفضل..
توقفت عن البحث لتلتفت ناظرة إليه بتعجب مشوب بالشك فوجدته ينظر إليها بشيء من الإعجاب قبل أن يتابع مادحا
مهاراتكم اتطورت وقدرتوا تحددوا أماكن الخطړ بدون ما تخلصوا على نفسكم.
سمعته بسنت فتنفست الصعداء هاتفة في صوت مرهق
أخيرا!
بينما رددت بهاء بهزة خفيفة من رأسها
الحمد لله.
مرة أخرى أثنى عمر على أدائهما قائلا كنوع من التشجيع لهما
برافو استمروا على كده.
في تذمر شبه مستتر تساءلت بهاء وهي تزيح الخوذة عن رأسها
طب ممكن نرتاح شوية أنا تعبت.
أبدى موافقته في هدوء
معاكو بريك لمدة ربع ساعة قبل ما ننتقل لمنطقة تانية.
لوت ثغرها مدمدمة بسخط
وجاي على نفسك ليه
لم يتبين بوضوح ما فاهت به فاستطرد
أفندم! عيدي اللي قولتيه.
أعطته عذرا كاذبا وهي تتصنع الابتسام السخيف
ده أنا بقولك شكرا على ذوقك.
ما إن ابتعد عنهما حتى رمت بسنت

بثقل جسدها على الأرضية الترابية وجلست تشكو في ألم
أنا مش حاسة لا بأعصابي ولا برجلي ولا بأي حتة في جسمي.
تطلعت إليها بهاء بلا تعليق ونظراتها تشيح في الفضاء فأكملت رفيقتها ندبها التعس
أنا عايزة أتستت وأقعد في البيت كار ال Strong Independent Woman مش بتاعي.
كانت تتوق حقا إلى الاستلقاء والاسترخاء والاستحمام فجسمها بالكامل أصبح مغطى بالتراب وممزوج بالعرق شعرت بهاء وكأنها أشبه بمن تم دفنه أسفل الرمال للاستشفاء مع فارق أن ما يحدث الآن ليس نوعا من الاستجمام وإنما بدافع التدريب وهي رغما عنها مكلفة بإطاعة الأوامر. حينما غسلت وجهها بماء ذلك الصنبور البدائي المجاور للخيمات ورأت كم التراب الذي سقط عن بشرتها أدركت أنه لا داعي للنظر في المرآة لرؤية كيف صارت هيئتها بالطبع لم تكن في أجمل صورها نظرت بطرف عينها نحو بسنت حينما تذمرت وهي تفرغ معظم علبة مناديلها الورقية لتجفف به يديها المبتلتين
الواحد عايز يتصنفر من تاني علشان يشيل أطنان الطين اللي عليه.
بعدما استقامت واقفة ابتسمت بهاء معقبة عليها في سخرية
صحيح الواحد كان نفسه يعمل حمام مغربي بس مش للدرجادي ده أنا اتردمت ده ناقص يتحط علينا مونة ويرموا الأساسات.
ردت عليها صديقتها وهي تفرك بيدها فقرات عنقها المتيبسة
بجد الله يكون في عون اللي بيتدربوا كده أنا كام ساعة وهلكت.
قامت بهاء بتدليك ذراعها قليلا لتخفف من الألم الصارخ في عضلاتها المتعبة لتتحرك من مكانها قائلة 
مش عايزة مسكن
أجابت في شيء من التمني 
أه يا ريت لو معاكي.
راحت تقول وهي تشير بيدها
في واحد في الشنطة بتاعتي تعالي معايا أجيبهولك من خيمة البنات.
بدت ممتنة لوجوده معها وسارت كلتاهما تتأبطان ذراع بعضهما البعض نحو خيمة الشابات لتضيق فجأة عينا بهاء باسترابة وهي ترى التحام مجموعة من الشباب الحانق من مسافة لا
همهمت بسنت في تلقائية
شكلها خناقة.
ردت بهاء بتوجس
ما تخلينا نبعد.
أصرت على البقاء للمتابعة هاتفة بتصميم
استني أما نشوف هتخلص على إيه.
احتد الجدال أكثر وراح الشاب الآخر يرد بغلظة
وإنت يعني اللي بتفهم ما إنت تور الله في برسيمه.
في التو زادت حمئة الأول ونعته بلفظ ناب
تصدق إنك عيل ...!
جرحه لكرامته الرجولية وإهانته بهذا الشكل الڤاضح والفج جعلته يثور ڠضبا فأراد الاڼتقام ممن أساء إليه فھجم عليه بعداوة وشراسة ليلكمه في وجهه
10  11  12 

انت في الصفحة 11 من 34 صفحات