رواية ضبط واحضار بقلم منال سالم(كاملة جميع الفصول)
انتشاء
احنا هنعمل حاجة أحسن من كده هنجرب القفز بالمظلات!
استنفرت في التو بسنت وهمهمت بملامح مالت للشحوب
هو اللي سمعته ده صح
أومأت بهاء برأسها وهي تبدو مذهولة لاختياره ذلك الأمر
أيوه.
في صوت مرتعش راحت بسنت تكرر
حاولت بهاء إبقاء رفيقتها ساكنة لكن الأخيرة كانت قد بدأت ټغرق في نوبة من الهلع فأصبح صوتها مڤزوعا وهي تتساءل
هو بيعمل فينا كده ليه
أمسكت بها من يدها تشد عليها هامسة
اهدي يا بسنت!
غرائز الخۏف تحفزت للغاية بداخلها فاستمرت تردد برفض
حاولت طمأنتها بقولها غير الأكيد
أكيد هنتفرج بس.
كزت على أسنانها قائلة بفزع
هو ده بتاع فرجة!
لم تعرف بهاء بماذا تخبرها فهي مثلها ليست على علم تام بأساليبه العجيبة التي ينتهجها معهم بحجة إكسابهم المزيد من الخبرات العملية لتوسيع آفاق عقلهم. تنبهت لرفيقتها التي أخذت تنوح في لهجة كانت أقرب للرثاء عن المزح
يتبع الفصل الرابع عش
الفصل الرابع عشر
الفصل الرابع عشر
مستعينا بالحافلات الخاصة بالأكاديمية أخبر عمر كافة الدارسين باستقلالها تمهيدا لنقلهم جميعا للقاعدة الجوية الجديدة وتحديدا حيث تتواجد المناطق الخاصة بحظائر الطائرات المختلفة من أجل الاستعداد لتجربتهم القادمة. ورغم ارتفاع درجة الحرارة وسخونة الهواء إلا أنه لم يؤثر أو يقلل من حماس الغالبية العظمى لخوض مثل هذه المغامر المميزة.
تذمرت باحتجاج واضح وقسمات وجهها مشدودة
وهو ده بيهمه حاجة اللي بيعوزه بيعمله...
التفتت برأسها ناظرة للصحراء الشاسعة التي لا نهاية لها لتدمدم متمة باقي جملتها
واحنا حقل التجارب بتاعه.
خلاص يا بسبوسة إن شاءالله مش هيحصل حاجة.
نظرت إليها الأخيرة بعدم اقتناع من طرف عينها فأكملت بهاء مقترحة عليها وبابتسامة مهتزة
ويا ستى لو طلب منك تنطي اعملي نفسك مغمى عليكي.
باعدت ناظريها عنها لتعلق بتجهم مزعوج
ما هو ده اللي هيحصل بس بجد مش هزار!
حينما توقفت الحافلات بداخل القاعدة الجوية كانت الحرارة لا تطاق فبدت وكأن الشمس عمودية على رؤوسهم ساروا بتباطؤ وبإرشاد من العسكريين المكلفين بتأمين المكان إلى داخل أول مرأب للطائرات. تجمعوا في المنتصف على هيئة هلال وفضلت بهاء وبسنت كعادتهما التواجد في الخلفية لتجنب الصدامات المباشرة مع أي فرد. وقف عمر ويداه خلف ظهره في
في البداية حابب أشكر قادة ورجال القوات الجوية وخصوصا سلاح المظلات على مساعدتهم في التدريب بتاعنا النهاردة.
صفق الجميع تقديرا لهم ليكمل بعدها في شيء من الثناء
هما متأخروش عن دعمنا وده يدل على تعاونهم الكامل فيما يخص الخدمات المجتمعية وده معهود منهم.
زي ما حضراتكم عارفين احنا هنخوض تجربة جديدة بعد ما نتعرف الأول على مفهوم عملية الإنزال الجوي.
ثم وجه سؤاله لمن يتطلعون إليه مستفسرا
حد سمع الجملة دي قبل كده
تولى أحدهم مهمة الرد فأجاب بعفوية
حل تشابك يديه ليشير بإصبعه ناحيته وهو يصحح مفهومه
بالظبط بس نعيد صياغة كلامك بشكل أرقى ونقول إنهم بيلجأوا للنوع ده من عمليات النقل الجوي في حالة وجود نزاعات عسكرية في نطاق دولة معينة أو كوارث طبيعية بيتعذر خلالها التحرك بسهولة عن طريق البر.
سألته إحدى الشابات وهي تمسك بمفكرة صغيرة في يدها لتدون ملحوظاته الهامة
وهل في إنزال جوي خلال الحروب بمعنى ممكن ينفذوا أي عمليات عسكرية منه
الټفت ناظرا إليها ليجيبها بإسهاب منظم
طبعا دي واحدة من استراتيجيات التخطيط العسكري وبتساعد على السيطرة على مواقع استراتيجية في عمق العدو بأقل خسائر ممكنة وفي وقت قصير ده لو قارناها طبعا بالأساليب
سرت همهمات متنوعة ما بين الدهشة والتعجب بين الحاضرين ليستأنف عمر حديثه الجاد موضحا
ولازم تبقوا عارفين إن مهام الإنزال الجوي هو عمل مشترك بين القوات الجوية وجنود المظلات.
سأله أحدهم مستفهما
ومين المسئول عن عمليات الإنزال في حالة المساعدات العاجلة
أجابه بملامحه الجدية
ممكن نقول قوات حفظ السلام أو قوات مشتركة مالهاش صلة بالدول المتنازعة بمعنى أدق قوات على الحياد...
قبل أن يستمر الحوار في نفس الجزئية أخبرهم
وأظن إننا اتناقشنا باستفاضة عن ده في محاضرة سابقة.
لم يطل النقاش كثيرا وانتقل لشيء آخر فاستطرد
بما إننا في القاعدة الجوية فلازم نفهم إنه مش زي المطارات المعتادة لأنه ببساطة خاص بالطائرات العسكرية بمختلف أنواعها.
استخدم بعدها يده في الإشارة حينما تابع وهو يمضي في خطاه للأمام
واحنا دلوقت موجودين جوا حظيرة صيانة الطائرات هناخد جولة في المكان وهنتعرف من
استوقفه أحدهم متسائلا في لهجة ممازحة
أومال هنجرب القفز
بالمظلات امتى ده أنا مجهز نفسي أبقى فيها ولا أيرون مان!
بشفتين مرتعشتين علقت بسنت بخفوت وفي خوف غريزي
مستعجل على عمرك ليه!
تطلع عمر تجاهه ليكلمه دون أن يبتسم
بعد شوية هنروح لمكان تاني هنعرف فيه أساسيات التدريب على القفز بالمظلات ونعمل محاكاة مبسطة ليه.
نكست بسنت رأسها في تحسر وهي لا تزال تبرطم مع نفسها
يدوب نلحق نكتب وصيتنا.
مرة أخرى ربتت بهاء على كتفها في ترفق وحاولت التهوين عليها بقولها
هتعدي ما تقلقيش!
كان الهواء مشبعا بذرات الرمال أثناء انتقالهم لمكان آخر حيث بدا بعيدا نسبيا عن مكان استقرارهم الأول. استخدمت بهاء غالبية مناشفها الورقية لتجفيف عرقها بينما حولت بسنت ورقة مطوية إلى مروحة صغيرة تحاول بها تحريك الهواء الساخن حول وجهها لترطيبه ورغم تواجدهم داخل ذلك المرأب إلا أن الجو كان حارا وشبه خانق. في تذمر صريح
احنا جايين نتسلق هنا زي الفراخ قبل ما يخلصوا علينا.
حاولت بهاء التهوية بيدها وهي ترد
الجو صعب أوي.
تابعت شكواها في عبوس
أنا حاسة إن نافوخي بيغلي وشوية وهيطلع فقاقيع.
زادت عليها في استظراف رغم اكفهرار ملامحها هي الأخرى
ده إن ما سحناش هنا!
نهايته. اجتمع الدارسين على نفس وضعية وقوفهم الأولى وراح عمر يسهب في شرحه لهم
طبعا القفز بالمظلات كان مقتصر زمان على العسكريين فقط لكن مع الوقت اتحول عن طبيعته التقليدية وأصبح رياضة مشهورة والمدنيين يقدروا يشاركوا فيها وكمان بقى وسيلة للترفيه والترويج للسياحة.
سأله أحد الحضور في استفسار جاد
متاح التدريب من أي سن بس القفز نفسه مش قبل 16 سنة تقريبا.
رد عليه في إعجاب
ده كويس جدا.
إلا أن عمر أخبره بما يشبه التوصية
بس لازم يكون أثناء الاشتراك في الرياضة دي عندك لياقة بدنية عالية وطبعا مضطر تحافظ على ثبات وزنك.
عقب أحدهم في شيء من المزاح
يعني ما تدبش في الأكل زي عوايدك.
ضحك الجميع على طرفته فاستغلت بسنت الفرصة لتهمس إلى رفيقتها قائلة
ما نقوله إننا تخان وماننفعش في الليلة دي.
طالعتها بنظرة متشككة قبل أن تخبرها
يعني إنتي مش شايفة نفسك ده إنتي أرفع مني.
هتفت بتصميم
عضمي بيوزن هي دي حجتي.
انتظر عمر للحظات قبل أن يخاطب الجميع في نبرته الحازمة
نسيبنا من الهزار ونبدأ الجزء العملي.
مرة ثانية تكلم ذلك الشاب محاولا الاستعلام منه والحصول على مزيد من المعلومات المفيدة
سؤال أخير من فضلك هو التدريب على القفز بالمظلات بيستمر بالتقريب أد إيه.
جاء رده مباشرا
من 4 ل 6 أسابيع.
تأهب للتحرك نحو المنطقة المغلقة وهو يسألهم
جاهزين لمغامرتنا النهاردة
اتفقوا ضمنيا على الرد بحماس
أيوه.
من الوراء رفعت بسنت كفيها للسماء وكذلك عينيها لتهمس بتضرع
يا رب ينسانا في التدريب ده!
بالتتابع وتحديدا بداخل المنطقة المغلقة انتظم الجميع في صف مستقيم الشباب أولا ثم الشابات في انتظار الصعود إلى أعلى ذلك الدرج المعدني والذي ينتهي بمنصة عريضة يقف عند طرفها القافز تمهيدا للوثب بداخل أنبوب طويل محاط بكل جانب بسلك معدني حيث يضخ الهواء بداخله بقوة عظيمة تجعل من يتواجد بداخله يطفو بسلاسة وكأنه يحلق في الفضاء فيما يشبه محاكاة الطيران الحر ولضمان سلامة المشاركين كان يتواجد أحد المحترفين في داخله لإرشاد وتوجيه القافز حتى ينتهي من تجربته.
التعابير الحماسية المنعكسة على كل من يخوض هذه المغامرة التجريبية الصغيرة استحثت الغالبية على مجابهة مخاوفهم وتقليدهم للاستمتاع بمزاياها المٹيرة. حينما أتى الدور على بهاء صعدت على الدرج بخطوات مرتعشة ففي داخلها تتصارع رغبتان متناقضتان الأولى في حب المغامرة والثانية بتجنب المخاطر. توقفت قبل الحافة بمسافة خطوتين حيث وجدت عمر يمد يده بخوذة معدنية لتضعها على رأسها عاونها على تثبيتها وطلب منها التقدم تجاه الحافة فتشبثت بالحاجز المعدني بكلتا يديها وسارت بخطوات شبه زاحفة حينما أصبحت في موضعها تحرك خلفها وسألها
جاهزة
ارتعشت يديها القابضتين على الحاجز المعدني وأخبرته بصدق وهي تدير وجهها تجاهه لتنظر إليه بطرف عينها
أنا الصراحة مقلقة.
حاول بث الأمان في نفسها بقوله المؤكد وهذه الابتسامة الصغيرة تزين محياه
دي مضمونة وإنتي شوفتي اللي قبلك لما
جربوها اتبسطوا إزاي.
ظهر التردد أكثر عليها فأضاف لئلا تتراجع
صدقيني لما تجربيها بنفسك مش هتندمي.
تطلعت إلى دوامات الهواء الوهمية مليا قبل أن تسأله
على ضمانتك
جاء رده على هيئة سؤال وقد دنا منها أكثر
مش إنتي واثقة فيا
أصدقته القول حينما جاوبت باقتضاب لكنه عنى الكثير
أيوه.
علق مؤكدا وهذه النظرة المهتمة تحتل مقلتاه
وأنا مش هخذلك.
شجاعتها الهاربة واستعدت للقفز .. حينما أصبحت متهيأة سمعته يأمرها من الخلف
لما أعد ل 3 نطي.
قالت باقتضاب وهي ترخي يديها عن الحاجز
ماشي. وهي تصرخ عاليا في فزع تفاجأت بجسمها يطفو للأعلى وكأنه لا يزن شيئا فتوقفت عن الصړاخ لتفرد ذراعيها مهللة في ذهول مشوب بالحماس
أنا نطيت أنا عرفت أعملها.
ابتسم في سرور وقال وهو يصفق لها
برافو عليكي.
سرعان ما تبدد الخۏف الذي كان يعتريها وتحول إلى دفقات من الأدرينالين فغزا كامل خلايا وجعلها في أوج حماسها لتشعر بمشاعر مختلفة وأكثر عمقا عن ذي قبل خاصة وأنه كان موجودا إلى جوارها.
استنفرت كافة حواسها حينما أصبح لا مفر من صعودها للأعلى ورغم تأكيدات بهاء لها بأن التجربة مٹيرة للغاية ولا يوجد بها أي ټهديد إلا أنها لم تقتنع بسهولة. تسمرت بسنت في مكانها ورفضت التجاوب مع الأوامر إلى أن جاء إليها أمير فجاورها هاتفا بإلحاح
الدور عليكي يا أستاذة.
ابتلعت ريقا غير موجود في جوفها وأخبرته بما يشبه التوسل
ما بلاش أنا اعتبرني نطيط.
ابتسم لها قائلا
ودي تيجي لازم تجربي بنفسك.
فركت جبينها هاتفة فجأة وكأنها تذكرت ما خططت له سابقا جراء متابعتها لما يدور
أنا على فكرة وزني تقيل جدا جايز أبوظلكم الجهاز ده وهو شكله متكلف كتير حرام الفلوس تضيع.
أشار لها بيده نحو الدرج لتصعد عليه قائلا بنفس الملامح الباسمة
لأ متقلقيش بيستحمل لحد طن اتفضلي يالا.
أخبرته مدعية رغبتها في البكاء
بص أنا لسه صغيرة وعايزة أفرح بشبابي.
من جديد أكد عليها
ما تخافيش ضغط الهوا