رواية وبقى منها حطام أنثى بقلم منال سالم (كاملة حتي الفصل الاخير)
جذبت نظارتها من يده الأخرى ثم نهضت عن جواره وأشارت له بعينيها لكي يفسح لها المجال حتى تطوي المقعد الخاص بها ففعلت ما أرادت دون أن ينطق ووقف قبالتها ليكون حائلا بينها وبين المقعد ثم أردف بنبرة جادة
إيثار لو لسه ليا عندك ولو شوية معزة لازم تيجي معايا وتقعدي مع بابا بابا بېموت ياإيثار أرجوكي
حدجته بطرف عينها بنظرات قاسېة فتوسل لها برجاء أكبر
ماشي
تهللت أسارير عمرو و انفرج ه بفرحة جلية وهو يهتف بحماس بعد موافقتها العسيرة
يبقى يلا بينا وانا هشيلك الكرسي بنفسي ياستي
لم تبد اهتماما بما قاله بل تحركت للأمام وقام هو بطي المقعد ولاحقها بخطوات أشبه للركض حتى أصبح جوارها في سيرها
كان الكبر قد ظهر على تجاعيد وجهه وقد جعل المړض منه كهلا كبير السن وكأنه أضعاف عمره
منذ زمن لم تنظر هي لوجه أبيها رحيم تشعر وكأنه تغير كثيرا فتحول من الرجل الحاد الطباع الذي اعتادت عليه ليظهر أمامها عجوزا واهنا ضعيفا لاحول له ولا قوة
رق قلبها إليه وأشفقت على حاله العاجز هو أبيها رغم كل شيء تشتاق إليه تريد التنعم به الأبوي الدافيء تتلهف للإحساس بخوفه الفطري عليها لكنه أضاع كل شيء بفعلته وهي لم ترد أن تظهر ما تكنه أمامه فعقلها أجبرها على الصمود اظهار القسۏة هي لم ولن تنسى فعلته بحقها وما زاد من الأمر سوء هو عدم مواجهته لها بشناعة فعله حتى هذا اليوم
ولكن وبدون سابق إنذار شعر رحيم بملك المۏت يحوم حوله منتظر لحظة قبض روحه فقرر التنازل عن قسۏة طبعه والانصياع أمام خطئه حيث سد جوعه بالنظر إليها وهتف بصوت ضعيف ولهجة معاتبة لعلها تشعر به
كده يا إيثار!! بقالي كتير تعبان ومستنيكي تسألي عني يابنتي بس انتي مسألتيش
الف سلامة عليك
وضعت تحية كفها على جبهته تتحس حرارته التي أخذت تنخفض ثم ربتت على كتفه وهي تحاول تخفيف الأوضاع وحدتها لدى الأب وابنته
إيثار كانت مشغولة اوي اليومين اللي فاتوا ياحج ماانت ف شغلها واخد كل وقتها
أضاف عمرو قائلا وهو يبتسم لوالده بعاطفة ولما عرفت جت ومتأخرتش ياحج !
هتف رحيم بعبارته بملامح خالية من المعاني ثم أشار بعينيه للخارج
ترددت تحية في فعل هذا ورغم ذلك حسمت رأيها وظنت أنه ربما يكون السبيل لكسر الحواجز التي بنيت بينهما ولعل هذا الحوار والجلسة الودية بينهما تذيب الجليد فأشارت بيدها لعمرو لكي يتبعها للخارج ثم أغلقت الباب وأخذت تتلصص عليه
بصيلي يابنتي وانا بكلمك
حركت حدقتيها لتكون في مواجهته بينما ابتسم هو وهو يتذكر أياما قديمة لا تتذكرها هي ثم ردد قائلا بخفوت
زمان لما كنت بشتريلك لبس العيد بنفسي وانتي كنتي بتتقمصي عشان مش بخليكي تنقيه بنفسك زي عمرو وآآآ
قاطعته إيثار وقد ظهر التجهم على قسماتها وزادت عدائيتها
لبس العيد كنت بشتريه كل سنة ولو معجبنيش في مرة كان بيعجبني في التانية انما الجواز بيبقى مرة تعيش عليه العمر كله ولا كنت فاكره قابل للتبديل والتغيير
لم يطرق رأسه أو يبعد بصره عنها بل بعث لها كم الندم الذي يحمله على عاتقه منذ ثلاث سنوات وحتى هذا الحين من خلال نظراته
النادمة وتعابيره الأسفة
استشعرت صدق نظراته ولكن عقلها رفض الإستسلام والعفو عنه
استندت بساعديها على ركبتيها ثم ت رأسها بين كفيها وهي في حيرة
من أمرها بينما تابع والدها حديثه قائلا
ف اني ظلمتك لكن كل اللي كان شاغلني الناس وكلامهم مكنتش هطيق حد يجيب سيرتك بكلمة يابنتي
كانت إيثار على وشك مقاطعته ولكنها أشار لها بكفه لتصمت وتابع بجدية
اسمعيني يابنتي انا اب وانتي عمرك ما هتفهمي كلامي ولا احساسي انا عمري ما تمنيت في الدنيا غير سعادتك انتي واخوكي حتى لو كان اسلوبي غلط !!!
اخذ شهيقا عميقا ثم زفره على مهل وتابع بكلمات مؤثرة وقعت على حواسها وقعا مثيرا
عدت سنين وكلامي مش هيفيد بس محبش اني اموت وسايب حته مني زعلانة مني يابنتي سامحيني ياإيثار
حدقت به غير مصدقة ما سمعته للتو وحالة الذهول مسيطرة عليها فهز رأسه للتأكيد ثم كرر كلمته وهو يقول بجدية تحمل الندم
ايوة زي ما سمعتي انا بطلب منك لأول مرة تسامحيني على اي حاجة يابنتي !
زحزح ه ليهبط أسفل الغطاء ثم أراح رأسه على الوسادة وسلط بصره على سقف الحجرة
في هذا الحين كانت تقف تحية وأطرافها ترتعش من وراء الباب لتستمع لحديثهما إلى أن اختفى الصوت فجأة فرفعت رأسها للسماء وفتحت كفيها وهي تنطق بتضرع
وحياة حبيبك النبي يارب حنن قلب بنتي وأرضيها وأسعدها يارب !
انفتح الباب لتظهر إيثار من خلفه ثم عبرت للخارج أمام والدتها ومنها إلى حجرتها دون أن تنطق ببنس
أوصدت الباب خلفها لتستمر مسيرة عزلتها ثم وقفت أمام النافذة تتطالع الغروب وقرص الشمس يهبط بإتجاه البحر من الغرب وكأن هذا القرص الذهبي تحتضنه الأمواج وينغمس أسفل الأعماق
كان مشهدا مريحا للعين مثيرا لهدوء الأعصاب أغمضت عينيها استسلاما لنسمة هواء طفيفة لمست وجهها حتى هاجمتها ذكرى آخرى سابقة أسعدت فؤادها في وقت ما لكنها استعدت عبرات الاشتياق الممزوج بالعتاب
عودة بالوقت للسابق
وقفا سويا كلا منهما في النافذة الخاصة به يطالعان من مكانهما ذلك السحر الفطري حيث أثارها مشهد الغروب فطلبت منه الصمت حتى يتمكنا من متابعته سويا كانت بسمتها تشكل فارقا في يومه فرفع رأسه يتأملها بنظرات عاشق هلكه عشقه
فشعرت بعينيه معلقتان بها
أسبلت عيناها لتلتقى بعينيه ثم ابتسمت بإستحياء وهي تقول
مش قولنا هنشوف الغروب سوا
رد مالك بنبرة صادقة ونظرات مأسورة
انتي عندي احلى من اجمل منظر غروب
ابتسمت وتوردت وجنتيها خجلا منه فظهرت غمازتيها لتبدو أكثر جمالا وأشراقا
فتابع هو بسمته العاشقة ببيت شعري كتبه لها وردده على مسامعها
أستحت
فصار للخجل لونا بأسمها
فياليت كل الحياء گحياء حبيبتي
وبذور القرنفل تعلو ها
عادت لأرض الواقع المجحف الذي هي فيه الآن ولكنها على الأقل رسمت بسمة على محياها على إأثر ذكراه الذي لم ينصرف أو يزال من ذهنها قط
أغلقت النافذة ثم عادت لها مدعية الرغبة في النوم لعلها تهرب من كم الذكريات الذي يطاردها ليوقظ شعلة حبها وشوقها من جديد
كان هذا الصباح مختلفا لها فبالرغم من إشراقه إلا إنها كانت حزينة لفراق أحدا عزيزا عليها مصطفى ذلك الطفل الصغير الذي اعتادت على مجالسته يوميا عقب ذهاب والديه للعمل
واليوم ستقوم الطائرة بالإقلاع وهي تحمل هذه الأسرة لإحدى الدول الأوروبية في رحلة هجرة أبدية وقررت هي توديع الصغير على طريقتها الخاصة
قامت هي بتصميم ألبوم كامل من الصور الفوتوغرافية التي جمعتها به لتمثل له ذكرى عزيزة ذات يوم عندما يكبر ويتذكرها أثنت والدته السيدة رانيا على فعلتها الراقية وهي تقول بإمتنان
كلك ذوق ياإيثار مكنش في لزوم تتعبي نفسك
ردت عليها إيثار وهي تمسح بيدها رأس الصغير
متقوليش كده يامدام رانيا ربنا عالم مصطفي عزيز عليا قد اي
هتف مصطفي وهو يتعلق بذراعها وانا بحبك اوي ياإيثار ليه مش بتيجي معانا
أستأذن انا بقى !
ردت عليها رانيا وهي تصافحها بحرارة
مع الف سلامة ياإيثار
تركت المنزل والحزن مخيما عليها لفراق طفل أخر ولكنها قررت تناسي الأمر لإستكمال الطريق فتلك هي مهنتها مجالسة الصغار وغرس مباديء الألفة والود في نفوسهم الصغيرة
زفرت أنفاسها وهي تستجمع شتات الأمل حتى تقابل طفلا أخر في مسيرتها التربوية
ذهبت إلى مقر المكتب التابعة له عقب أن طلبتها مديرة المكتب بصورة متعجلة فما كان منها إلا تلبية النداء والذهاب على الفور لتتفاجيء بالمديرة تبلغها بجدية
دي أسرة أجنبية لسه واصلين مصر أول أمبارح
طفلتهم رضيعة عندها سنتين إلا شهر ولا حاجة والد الطفلة جه بنفسه هنا وطلب مربية بمواصفات قياسية وانا ملقيتش عندي مربية أفضل منك خصوصا ان ليكي كاريزما خاصة مع الأطفال الصغيرين !
كانت مفاجأة بالنسبة إليها فقد كانت ترغب ببضع أيام كأجازة لها لتجدد نشاطها وتعتاد غياب الصغير مصطفى استلام العمل لدى أسرة جديدة
ولكن من الواضح ان تلك الفرصة لن تسنح لها فبادرتها المديرة عقب استشها بما تخبئه داخل ها ولا تنطق به
فة انك كنتي محتاجة اجازة خصوصا بعد ما سيبتي مصطفي لأنك كنتي متعلقة بيه بس دي فرصة بالنسبالك والراجل اللي هتشتغلي عنده شكله جنتل خالص عشان كده اعتبرتها فرصة ليكي !
ابتسمت لها إيثار وهي تومئ رأسها إيجابا ثم ردت بتنهيدة شبه منهكة
ماشي حضرتك هروح أمتى
بحثت المديرة بإحدى الأوراق الصغيرة عن تلك الورقة
المدون بها للعنوان والتفاصيل للوصول إلى المكان المنشود حتى وجدتها ومدت يدها بها وهي تقول
ده العنوان والتليفونات لو معرفتيش توصلي وعلى فكرة في الحسابات ظرف بأسمك فيه مبلغ مالي هدية من أسرة مصطفي لجهودك مع الولد مدام رانيا بلغتني انك رفضتي تاخدي اي حاجة عشان كده فضلت تسيبهولك هنا !
بدى على وجهها الإمتنان والسعادة ليس للمبلغ المالي ولكن لتقدير المحيطين حولها لها فقد كانت في حاجة ماسة إلى هذا الدعم المعنوي إلى
تقدير ذاتها ومدح عملها وها هي قد ظفرت بها بعد مجهود مضني وإخلاص متفاني
هزت رأسها ثم نطقت برقة
شكرا عن أذنك
تأنقت إيثار في ثيابها الجديدة ثم نظرت لحالها بإعجاب في المرآة ثم ضبطت وضعية حجابها الأزرق الذي تماشى مع كنزتها الفيروزية وبنطالها الأبيض وأكملت تنسيق ثوبها عن طريق وضع عقدا متعدد الألوان حول ها وأعلى حجابها ثم انت للخارج وتعجلت بخطواتها للذهاب إلى مكان العمل الجديد
كان الطريق مزدحما گعادته فأضطرت لإستجار سيارة للأجرة حتى تستطيع الوصول مبكرا
كان المكان عبارة عن فيلا صغيرة في منطقة سكنية حديثة يبدو على هيئتها الخارجية البساطة والرقي وعدم التكليف
ظهر الإعجاب واضحا على تعابير وجهها
عبرت البوابة والتي كانت خالية من أي حراسة بخطوات ثابتة ومنها سارت عبر الممر الحجري المزدان على جانبيه بالمزروعات