رواية ضبط واحضار بقلم منال سالم(كاملة جميع الفصول)
لازم نطمن.
مالت بسنت على رفيقتها هاتفة
بيتهيألي نسمع الكلام يا بيبو.
أيدها أمير أيضا بقوله
وده رأيي برضوه.
بعدما انتهى من فحصها ظاهريا انتزع الطبيب المناوب في العيادة الطبية الملحقة بنادي الرماية القفازات من يديه
سأله عمر پخوف جاهد لإخفائه
كان سببه إيه يا دكتور
في تلك الأثناء نهضت بهاء عن السرير بمساعدة رفيقتها واتجهت معها نحو الأريكة الجلدية الموجودة في زاوية الغرفة لتجلس الاثنتان عليها والطبيب يتحدث مفسرا حالتها بناء على ما لاحظه
ردت عليه بهاء من موضع جلوسها وهي تتحسس بمنديل ورقي فتحتي أنفها
أوكي هشوف هعمل إيه.
كانت ممتنة لأنها لم تعد ټنزف بينما هتفت بسنت فجأة في نزق
كله أكيد من اللي اسمه أنس!
بني آدم مستفز مستقصدنا في الرايحة والجاية.
رأت بهاء كيف تضرج وجه عمر بحمرة حانقة فأدركت أنه أصبح يضمر سوءا لذلك السمج لهذا حاولت تخفيف وطأة الأمر تجنبا للمشاكل بترديدها المحايد
خلاص يا بسنت مافيش داعي دي حاجة عادية وارد تحصل في أي وقت.
لأ هو السبب إنتي ما شوفتيش هو حاططنا في دماغه إزاي واحنا مالناش دعوة بيه ناقص يخلص علينا.
شعر عمر بتأنيب الضمير لأنه لم يتمكن من حماية من هم تحت إمرته مثلما من المفترض أن يفعل فأخبرها بعزم وعيناه غائمتان للغاية
لم تبال بسنت إن نال حقا ذلك الوغد التقريع أو حتى الإقصاء من التدريب المهم ألا يترصد لهما من جديد وضعت يدها على كف رفيقتها تسألها بلطافة
إنتي أحسن دلوقت يا بيبو
أجابتها وهي تهز رأسها إيجابا
الحمدلله...
دوشتكم معايا.
رد عليها أمير بشيء من اللباقة
متقوليش كده تعبك
راحة.
كانت على وشك النهوض من مكانها لكن عمر أشار لها بالجلوس آمرا
استنوني هنا شوية.
استغرب أمير لطلبه المريب وسأله مستفسرا
رايح فين
لم يجبه وأمره في لهجة حازمة
خليك معاهم يا أمير.
رغم حيرته المعكوسة على تعابير وجهه إلا أنه رد بلا جدال
حاضر.
انتظر مغادرته ليتجه نحو الطبيب ويتحدث إليه بصوت خفيض فاستغلت بسنت الفرصة لتتساءل في خفوت
هو ناوي على إيه
هزت بهاء كتفيها قائلة
مش عارفة!
يا خبر بفلوس كمان كام دقيقة يبقى ببلاش!
ظلت بهاء تنتظر مع رفيقتها في العيادة الطبية لما يقرب من الربع ساعة والملل قد راح يشق طريقه إليها وقبل أن تبدأ في اختراع الحجج والأعذار للاستئذان والذهاب عاد إليهم عمر وهو يحمل في يده كيسا بلاستيكيا كان قد اشترى ما فيه من معرض المنتجات المحلية المقام بالنادي. مد يده به تجاهها وهو يخاطبها
اتفضلي.
غطت تعبيرات وجهها حيرة متعجبة فقامت من مكانها لتتناوله منه متسائلة
إيه ده
أجابها بلا ابتسام وهو يشير بعينيه إلى كنزتها
بلوزة مكان اللي اتبهدلت جبتها من المعرض.
تحرجت للغاية من مظهرها الذي فسد وانعكس تأثير ذلك على تورد بشرتها تحاشت النظر إليه وحملقت في رفيقتها التي نهضت بدورها لتنظر بعينين فضوليتين إلى ما ابتاع بداخل الكيس في حين امتدح أمير تصرفه المراعي مثنيا عليه
برافو عليك بتعرف تتعامل يا باشا مع أي ظرف.
لمعت عيناها بومضة مبتهجة وشكرته في خجل
تعبت نفسك.
رد عليها في رنة صوت هادئة
دي حاجة بسيطة.
أخرجت بسنت طرف الكنزة الوردي وأبدت على الفور إعجابها بحسن اختياره
دي شكلها حلو أوي.
زاد شعور بهاء بالحرج من تصرفات صديقتها النزقة وقالت وهي تحتضن الكيس
شكرا على ذوقك.
قال في نفس الصوت الرزين
تحت أمرك في حمام هنا قريب تقدري تغيري فيه.
استحسنت الفكرة وردت باقتضاب
أوكي.
أشار لها بيده بعدئذ
أنا هوريكم السكة.
تقدم في خطواته عنها ليفتح باب العيادة لها وانتظر حتى خرجت لتتبعها رفيقتها ومن خلفهما أمير قبل أن يتركاه يرشدهم إلى وجهتهم. التصقت بسنت بصديقتها هامسة لها في مكر وسرور
شايفة الحنية والاهتمام
عضت بهاء على شفتها السفلى بارتباك بائن بشكل كبير لتحذرها بعدها
بس بقى لأحسن يسمعونا.
لم تستطع إخفاء ضحكاتها العابثة وأخذت تردد في مرح واستمتاع
يا دلعوا يا دلعوا!
كان دقيقا للدرجة التي جعلته يخمن بشكل صحيح مقاس ثيابها فحينما ارتدت بهاء الكنزة الوردية تفاجأت بأنها ملائمة تماما لحجم جسدها انبهرت لذلك وفي نفس الآن تلبكت فكيف له أن يدرك ما يخصها بسهولة هل حقا يهتم لشأنها أم أن ذلك شيء عابر يفعله مع كائن من كان لاحظت بسنت ما اعترى رفيقتها من وجوم وشرود فسألتها في نبرة مهتمة
مش عجباكي ولا إيه
أجابتها صراحة
أنا بس مستغربة هو خمن مقاسي إزاي.
في شيء من اللطافة قالت
مش القائد بتاعنا لازم يكون نبيه وأذكى دفعته...
ثم غمزت لها بطرف عينها وهي تتم جملتها
وبعدين هو شكله مركز معاكي إنتي وبس.
من جديد تحرجت من ممازحة رفيقتها في هذه المسألة الحرجة وأنذرتها بغير تساهل
بلاش الكلام ده.
ابتسمت في استمتاع وهي تؤكد لها شكوكها
بكرة تعرفي إن كان معايا حق ده إنتي ماشوفتيش كان خاېف عليكي إزاي.
لم تبد مقتنعة بتفسيراتها وقالت في إنكار طفيف
ما احتمال يعمل كده مع أي واحدة لو كانت مكاني.
أصرت على رأيها مبدية المزيد من الأسباب المنطقية
ما ظنش وخصوصا إن البدايات بينكم كانت مش ألطف حاجة يعني كان ممكن يعاملك بطريقة ناشفة يقرفك ليل نهار في التدريب لكن احنا ما شوفناش منه حاجة وحشة.
أغمضت عينيها لهنيهة لتنفض عن عقلها تلك الذكرى المسيئة وهمهمت في ندم
ما تفكرنيش باللي حصل أنا كنت غبية أوي.
تأكدت بسنت من مساعدة رفيقتها
في ضبط ياقة الكنزة وتكلمت
الحمدلله إنه مابيشلش في نفسه مكوناش هنسلم.
ألقت بهاء نظرة تفقدية أخيرة على هيئتها في انعكاس المرآة وطوت الكنزة المتسخة ووضعتها في الكيس البلاستيكي لتقول
أيوه يالا بينا بدل ما يكون لسه مستنينا برا.
تحركت الاثنتان بعدها خارج الحمام لتجدا كلا الشابين في انتظارهما فتحدث عمر أولا كنوع من الاقتراح
مافيش داعي تجهدوا نفسكم في باقي اليوم كفاية عليكم كده.
وكأن في حديثه طوق النجاة رحبت بسنت بذلك على الفور وبحماس كبير
أنا بقول كده برضوه.
استطرد عمر مستخدما يده في الإشارة
العربية راكنة قصاد باب النادي أنا هوصلكم بنفسي.
ابتسمت إليه بهاء بشيء من الارتباك وحاولت الاعتذار منه بتهذيب
مافيش داعي تتعب نفسك حضرتك وراك مسئوليات وآ...
قال مقاطعا إياها بنبرة حاسمة
أمير موجود هيظبط كل حاجة.
تكلم أمير باسما وبلا أدنى ضيق
أيوه أنا متعود على كده...
ثم وجه كلامه إلى بهاء قائلا
المهم إنك تكوني بخير.
ردت عليهما في امتنان مشوب بالخجل
شكرا ليكم بجد أنا مش عارفة أقولكم إيه.
أخبرها عمر بملامحه الجادة
ولا حاجة اتفضلوا من هنا.
تبعته بهاء وهي متأبطة لذراع رفيقتها التي كانت تراقب بسعادة غريبة ما يدور في الأجواء من نسمات رقيقة تعلن عن بزوغ حب قريب.
بمجرد أن وصل الثلاثة إلى البوابة اعتذرت بسنت عن الذهاب معهما وكانت حجتها منطقية فقد أتت بسيارتها ولهذا تحتاج إلى العودة بها إلى منزلها لهذا تركت رفيقتها تذهب بصحبة عمر الذي سعد للغاية من حدوث هذه المصادفة فقد وجدها فرصة طيبة للحديث معها بأريحية لإذابة حواجز الجليد بينهما وخلق نوع من الترابط الودي.
صاحبتك جدعة أوي.
بابتسامة صغيرة مرتبكة علقت بهاء عليه
جدا احنا نعرف بعض من أيام ابتدائي.
جاء تعقيبه مدهوشا
ياه ده من زمان أوي.
تابعت في نبرة فخر
احنا يعتبر متربيين سوا.
رد عليها وهو شبه يبتسم
أنا عندي زمايل من أيام ابتدائي بس مش على اتصال أوي يعني ممكن نتكلم كل فين وفين.
تنحنحت قائلة دون أن تنظر نحوه
هو حلو إن الواحد يفضل على تواصل مع أصحابه ويفتكر معاهم أيام زمان.
هز رأسه مرددا
فعلا.
أثناء جلوسها معه في السيارة بمفردهما توقف عند أقرب سوبر ماركت ليشتري منه بعض العصائر وقطع الحلوى أعطاها ما ابتاع فاعترضت عليه هاتفة بحرج
مالوش لزوم.
تجاهلها وعاد ليركب خلف المقود مكملا قيادة السيارة حاولت التغلب على تلبكها المتزايد واستطردت تحادثه دون أن تنظر إليه كعادتها منذ أن استقلتها بجواره
عطلتك معايا النهاردة.
قال بعد زفير مقتضب
ما تقوليش كده.
خيم الصمت بينهما مرة ثانية فقطعه بسؤاله الروتيني
عم سليمان أخباره إيه
ردت بهاء بابتسامة صغيرة
الحمد لله تمام.
بشكل آلي رد
دايما يا رب.
بدا وكأنه من الصعب عليه إيجاد المناسب من الكلمات لخلق أي حوار معها ومع ذلك استطال الحديث بسؤالها المهتم حقا
معدتش فاضل في التدريب كتير ناوية على إيه بعد كده
سكتت للحظة لتفكر في إجابة مناسبة قبل أن تبوح بها
لسه مافيش حاجة محددة في دماغي بس أكيد هدور على شغل.
استطرد في تفاؤل
إن شاء الله تلاقي حاجة مناسبة.
أومأت برأسها قائلة
يا رب.
حاولت هي الأخرى مجاراته في الحديث فقالت وهي تجول ببصرها على حركة المرور المحيطة بها
الدنيا زحمة أوي النهاردة.
أتى رده عفويا
ده من حظي.
تنبهت لجملته النزقة فحاولت التعديل عليها بتبريره المذبذب نسبيا
قصدي يعني الناس كلها بتخرج في نفس التوقيت ده.
حمحمت هاتفة بوجه متورد
أيوه وقت الموظفين.
سألها في اهتمام غريب
تحبي تشربي حاجة
قالت وهي تشير إلى ما هو موضوع في حجرها
ما إنت لسه جايبلي.
ابتسم مضيفا في حبور
علشان تعوضي الډم اللي فقدتيه.
عقبت في امتنان
شكرا أنا والله كويسة.
في تلقائية أخبرها وكأنه يعطيها نصيحة ما
أكيد والدك ووالدتك هيقلقوا لما يشوفوا بلوزتك متبهدلة بالشكل ده
حاولي ما تخضيهومش ووديها لمحل تنضيف الهدوم.
ابتلعت غصة عالقة في حلقها وقالت ودموعها الرقراقة قد تسربت إلى حدقتيها
ماظنش هيقلقوا هما ماتوا من زمان الله يرحمهم.
تفاجأ بتصريحها الصاډم فحل على قسمات وجهه ذاك التعبير المدهوش واعتذر منها بشدة
أنا أسف جدا مكونتش أعرف.
مسحت بيدها ما تسلل من طرفيها وقالت باقتضاب
ولا يهمك.
لعڼ نفسه بلا صوت لأنه تسبب في إيذائها برعونة حديثه
أنا غبي! كان لازم أنطق بكلام زي كده!
تظاهرت أنها مستغرقة في تأمل الطريق بينما كانت تقاوم قدر استطاعتها عدم الانخراط في نوبة بكاء متأثرة خاصة وقد ساد الصمت بينهما ليشعرها بمدى صعوبة تجاوز خطأه غير المقصود. عندما تباطأت سرعة السيارة استعدت بهاء للمغادرة على الفور استوقفها عمر قائلا وهو ينظر إليها كالمعتذر
حمدلله على سلامتك.
قرأت ما احتوته نظرته من ندم وأسف وردت مبتسمة ابتسامة باهتة
الله يسلمك وشكرا ليك.
قال وهو يحاول مبادلتها الابتسام
سلمي على عم سليمان.
حركت رأسها بهزة خفيفة قبل أن تقول
حاضر يوصل.
ظل يتابعها بنظرته المهتمة إلى أن اختفت بداخل بنايتها لحظتها ضړب بقبضته المتكورة على المقود في عصبية مكررا توبيخ نفسه
غبي! هتقول عني إيه دلوقت!
تمنى لو امتلك عصا الزمن السحرية ليعود بها إلى الوراء ويمحي تلك اللحظات العابرة من الذاكرة تماما فلا يبقى إلا كل ما هو عذب ولطيف بينهما فكلما تذكر نزقه المزعج معها كان يركل مقعده في ندم ربما كانت هذه مرته الرابعة أو الخامسة وهو يفعل ذلك خلال جلوسه على مكتبه بغرفته في منزله دمدم عمر مع نفسه في استياء وهو يطوي كتابه المفتوح أمامه بتعصب وضيق
وعامل فيها أبو الذكاء كله وأنا على