رواية ضبط واحضار بقلم منال سالم(كاملة جميع الفصول)
الله حكايتي.
اقتحم عليه حجرته شقيقه الأكبر ليسأله بفضول مستفز
مالك مكلضم ليه
عبس قائلا بإيجاز
مافيش!
انضمت إليه السيدة نهيرة وهي تحمل صينية بها فنجانين من القهوة وضعت ما يخص ابنها على سطح مكتبه وردت باستغراب
أخذ عامر قهوته من والدته معقبا بدهشة مماثلة لها
مع إن القائد بتاعك بيشكر فيك.
انتظر عمر انصراف والدته ليتساءل بفضول حذر
بقولك هو إنت تعرف إن أخو عم سليمان مېت من زمان
نظر إليه في تحير قبل أن يرد عليه متسائلا
أخبره بحاجبين معقودين وملامح متجهمة
صاحب أبونا.
وكأن ذاكرته قد تنشطت واستفاقت من سباتها ليخبره مسترسلا في الحديث
أها الراجل الطيب ده أيوه كان عمل حاډثة مع مراته زمان ربنا يرحمهم...
توقف عامر في منتصف كلامه متسائلا بمكر
حاول التهرب من إجابته برده العائم
عادي يعني.
جلس شقيقه الأكبر على طرف مكتبه ليبدو أكثر قربا منه وهو يستطرد في لؤم وهذه الابتسامة الماكرة تتراقص على شفتيه
أيوه عارفها.
غمز له بطرفه متسائلا في تسلية
تصنع الجدية وهو يرد مدعيا كذلك انشغاله في قراءة كتابه الذي عاود فتحه
مافيش حوار ولا حاجة بسأل عادي.
نهض من على سطح مكتبه ليتجه إلى باب غرفته هاتفا بعد رشفة كبيرة لقهوته
ماشي يا سيدي.
مرة أخرى جاءت السيدة نهيرة وهي تحمل طبقا من ثمار الفاكهة المقطعة وتساءلت
أجابها وهو يعطيها الفنجان الذي انتهى من شربه ليأخذ الطبق منها
ملبوخة مع بنت خالتها العروسة وإنتي عارفة طلبات العرايس اللي ما بتخلصش!
ردت عليه بتفهم
ربنا معاها...
ثم وجهت سؤالها إلى ابنها الأصغر
دون أن ينظر تجاهها قال بفتور
هشوف ظروفي إيه!
وقتئذ علق عليه عامر بشيء من التحذير
لأ ضروري تفضي نفسك بدل ما سلمى تزعل وإنت عارف زعلها عامل إزاي.
رفع عمر يده أعلى رأسه ليمررها في شعره متمتما
ربنا ييسر.
لم تكن
من النوع الذي يحب البهرجة في الثياب خلال الأعراس ولا حتى الإفراط في مساحيق التجميل لذا ارتدت على استحياء هذا الفستان الطويل ذي اللون البنفسجي الباهت والمصنوع من مزيج من قماش الحرير والدانتيل ووضعت مقدارا ضئيلا مما يزين بشرتها ولا يجعلها تبدو مبالغة في مظهرها. تأكدت بهاء أيضا من تغطية كتفيها بشال من الشيفون له نفس درجة لون الفستان وجلست بلا حراك على المائدة المخصصة لعائلتها ملاصقة لمقعد زوجة عمها. كلمتها فادية بلهجة شبه معاتبة
يا بيبو هتفضلي أعدة كده
نظرت إليها بلا تعليق فاستمرت في عتابها المنزعج وهي تطوف ببصرها على المدعوين
بصي شوفي البنات حواليكي عمالين يتنططوا إزاي!
بفتور وغير اكتراث ردت
أنا مبسوطة كده.
استحثتها على التخلي عن جمودها المغيظ بقولها المشجع
دي فرصة حلوة ليكي جايز تلفتي نظر حد كده ولا كده.
بنفس النبرة غير المبالية عقبت
مش عاوزة ربنا يعميهم عني!
بدت فادية ساخطة للغاية عندما همهمت
هتفضلي كده عنيدة ومضيعة كل حاجة حلوة من إيدك.
بالطبع كانت متفهمة لضيق زوجة عمها فالأخيرة كانت تسعى بشتى الطرق لتزويجها بهذا العريس اللقطة والذي تجمعه صلة القرابة مع العائلة لكنها رفضت هذا الارتباط قبل عدة أشهر. تقلص كتفي بهاء في توتر عندما جاءت قريبة العائلة ذات الطباع السمجة واللسان السليط فلم تكن تسلم من سخافاتها المنفرة ولا من تعليقاتها المسيئة وكأنها تجد متعة خفية في استحقارها. لم تبتسم لرؤيتها وبدت جامدة بشكل ملحوظ والأخيرة تكلمها
معقولة بهاء هانم بنفسها هنا.
بتعبير واجم ردت عليها
إزيك يا ماهيتاب!
صححت لها اسمها وهي تجلس بخيلاء على المقعد لتجاورها
قولي ماهي مش بحب الاسم ده.
باعدت عينيها عنها قائلة بغير اكتراث
براحتك.
في سمة من الغرور أردفت ماهيتاب وكأنها تستنكر وجودها من الأساس
تعرفي متوقعتش إني أشوفك النهاردة هنا.
أدارت رأسها ببطء لتحدق فيها متسائلة
ليه يعني
في نبرة شبه متهكمة ردت
مش بعوايدك تحضري أفراح العيلة المتواضعة!
أتى ردها مماثلا لأسلوبها الساخر
أصل هفني الشوق أجي وأتفرج على اللي عاملين فيهم عرايس المولد.
فاجأتها ماهيتاب بتعقيبها المهين
ولا زعلانة علشان العريس راح منك
تحفزت في جلستها وزوت ما بين حاجبيها مرددة في استهجان
وأزعل ليه ربنا يوفقه مع اللي اختارها.
تشكلت ابتسامة شامتة على زاوية فمها حينما منحتها مبررها
إنتي مش شايفة وش مرات عمك مقلوب إزاي كانت مستخسراه يروح منها.
لم تكن بهاء مسترخية القسمات وهي تخبرها
نصيب وفي العموم أنا مش بفكر في الجواز.
افتعلت الضحك قبل أن تسألها في نبرة هازئة
ناوية تعنسي ولا إيه
كلماتها كانت لاذعة كالسوط ورغم ذلك ظلت على هدوئها وهي ترد عليها بتعقل
الحياة مش واقفة على الجواز وبس!
تطلعت إليها ماهيتاب بغير اقتناع ورفعت حاجبها للأعلى بشكل ملحوظ خاصة وبهاء تستفيض في توضيح مفهومها عن المتطلبات الأخرى لتحقيق ما تصبو إليه في حياتها المستقبلية
في حاجات تانية أهم زي الدراسة والشغل وآ...
قاطعتها في ازدراء وهي تشير بسبابتها
ده كلام إنشاء كل واحدة ھتموت وتتجوز إن شاء الله يكون مين.
انتصبت بهاء في جلستها لتخبرها
أنا تفكيري مش محدود في الجزئية دي وبس زيك يا .. ماهي.
بوقاحة صاډمة نعتتها فجأة
إنتي كدابة ومعقدة!
تخشبت بهاء في جلستها مذهولة وتدلى فكها للأسفل مرددة باستهجان متعاظم وعيناها قد اتسعتا بشدة
نعم!!!
أجابتها في تشف
أيوه إنتي أكتر واحدة ھتموت وتتجوز بس بتكابر ليه بقى
راحت بهاء تتعرق عرقا باردا فمهما كانت قادرة على مجابهة الغير إلا أنها تقف عاجزة أمام فظاظة لسان هذه الوقحة الدنيئة بقيت تحدق فيها بعينين متقدتين بڠضبها المحموم بداخلها وماهيتاب تزيد من إساءتها الفجة نحوها
علشان مش هتلاقي اللي يتجوزك بحالك ده وحتى العريس اللي إنتي جاية تتندمي عليه
النهاردة كان بيحمد ربنا إنه لاقى الأحسن منك.
أرجعت الأخيرة ظهرها للخلف ونظرت إليها في شماتة بعدما جرحتها بنصل عباراتها القاسېة لتنهي كلامها موجهة إصبعها ناحيتها في استحقار كبير
نفسي أشوف مين هيرضى يتجوزك!
على غير توقع ظهر عمر في محيطها وكأنه فارسها المغوار ليهتف بلا ترتيب وبكلمات لا تعرف إن كانت صادقة نابعة من قلبه أما أنها مجرد عبارة مرتبة لحفظ ماء وجهها ولملمة كرامتها المبعثرة
يا ريت توافق بيا أنا!!
يتبع الفصل الثالث عشر
الفصل الثالث عشر
لولا أنه لم يرغب في إحزان زوجة شقيقه الأكبر لما كلف نفسه عناء الحضور وتجنب كعهده التواجد في مثل هذه المناسبات الاجتماعية المليئة بذوات الأقنعة وممن تتجملن فقط لاستدراج الزوج المثالي لاصطياده. ظل عمر يعبث برابطة عنقه الداكنة التي تقيده فقد كان مضطرا لارتدائها مع بدلته الكحلية وقميصه الأسود. بدا لافتا للأنظار في هيئته تلك فاستطاع بطرف عينه أن يلمح كيف تنظر الفتيات إليه بانبهار وإعجاب ترفع عن النظر إليهن وواصل تجوله في قاعة الأفراح إلى أن لمحها تجلس بجوار إحداهن.
تسمر في مكانه مندهشا وفمه قد افتر إلى حد ما تعبيرا عن صډمته لرؤيتها كان آخر ما يمكن تصوره أن يلتقي بها هنا! خفق قلبه بخفقان غريب لم يعتد عليه ومع ذلك كان مسرورا لمعايشة هذا الشعور المشوق بالرغبة لاحظ حينما أمعن فيها كيف تبدو متحفظة بجانب كونها متجهمة فاقترب أكثر منها ليصل إليه ما يدور بينهما احتقن صدره عندما وجد تلك التي تجالسها تفرط في الإساءة إليها أغاظه هذا كثيرا وعجز عن كبح جماح نفسه خاصة وهي تلومها عن عمد في عزوفها عن الزواج وامتناعها عن التسرع في اختيار شريك الحياة المثالي وكأن في ذلك إثما لا يغتفر. غريزيا اندفع تجاه مائدتها لينطق بلا ندم
يا ريت توافق بيا أنا!
آنئذ اعترت الصدمة الكبيرة كلتيهما فنظرتا إليه بذهول ودهشة لم يعبأ بتبعات تصريحه وواصل الكلام كما لو كان ما فاه به منطقيا
حقيقي مش هلاقي حد زيها.
توهج وجه بهاء بحمرة خجلة للغاية في بادئ الأمر حملقت فيه بتوتر خجل إلى أن أدركت أنه يفعل ذلك ببساطة ليرد لها اعتبارها ويحفظ لها كرامتها المهانة فالتزمت الصمت لتجاريه في كذبته الواهمة ريثما تنصرف هذه السمجة فتعتذر له لاحقا عن توريطه في شأن لا يخصه. نهضت ماهيتاب من مقعدها لتنظر إليه بعينين ذاهلتين حركت لسانها لتسأله مستفهمة وموجة من الفضول العارم تجتاحها
إنت مين
حول ناظريه عنها ليوحي لها أنها لا تهمه وتطلع عن عمد إلى بهاء التي كانت لا تزال على حالها المدهوش مما أغاظ ماهيتاب أكثر واستفزها فاستطردت في شيء من الاتهام
إنت تبع العيلة ولا حد ماشي معاها
نبرتها اللئيمة المملوءة بالتهم الباطلة كانت مرفوضة على كل الأصعدة فتحفز محذرا إياها
ماسمحلكيش تغلطي فيها بأي شكل...
حدقت فيه بنظرة محتدة فتابع محافظا على وتيرة هدوئه
وعلشان أريحك أنا عارف عم سليمان تربطني بيه وبعيلته صداقة قديمة ما ظنش إنه يهمك تعرفي أصلها.
يبدو أن حضوره كان معينا لها بشكل لم تتخيله التفتت بهاء للجانب باحثة عن زوجة عمها لتؤكد عليها صدق روايته لكن للغرابة لم تجدها ماكثة بجوارها ربما نهضت لتحادث أحدهم أثناء حوارها مع ماهيتاب ولم تنتبه لها حقا شعرت بالارتباك لغيابها ومع ذلك نهضت من
مقعدها لترحب به في شيء من التبجيل
منور يا سيادة الرائد.
قصدت التصريح بهويته لتعطي أهمية أكبر لمكانته الاجتماعية والوظيفية ونجح ذلك في إشعار ماهيتاب بالغيظ فاستثيرت وكزت على أسنانها مدمدمة
رائد!
تصنع عمر الابتسام بسخافة ليخبرها
أيوه وقريب هبقى مقدم إن شاءالله.
كان مستمتعا للغاية بإغاظتها وزاد من ذلك بسؤاله الماكر الموجه إلى بهاء تحديدا
مش ناوية ترضي بيا بقى!
فاجأها مجددا بجراءته التي لم تعهدها منه فردت بتلعثم وقد تضاعفت الحمرة الساخنة في وجنتيها
أنا آ...
تعمد مقاطعتها قبل أن تكمل جملتها الأولى ليوجه حديثه إلى ماهيتاب في شيء من الازدراء
خلينا نتكلم في ده بعدين مايصحش نناقش أمور خاصة كده على الملأ وقصاد الغرب!
اشتاطت نظرات الأخيرة على الفور وازداد شعورها بالمهانة حينما أتم عبارته بسخرية مستفزة لها
ممكن تدينا مساحتنا يا مدام.
اڼفجرت صائحة فيه بتعصب وعروقها تنتفض في جبهتها
مدام مين أنا لسه آنسة!!!
رمقها بنظرة فاحصة قبل أن يعلق بتأفف
ليهم حق!
احتقنت عيناها بشدة وضغطت على أسنانها تتوعده
إنت بتقول إيه!
استمر في مضايقتها بكلامه اللاذع
أنا من رأيي ماتسمعيش للناس اللي نفوسها غلاوية كتير بيدوا طاقة سلبية وحشة.
راحت تصيح في حمئة
إنت آ...
قاطعها عن قصد مشيرا بذقنه إلى الأمام
تقريبا في حد بينادي عليكي هناك روحيله خلينا نتكلم براحتنا شوية.
لم تستطع تحمل سخافته أكثر من ذلك فاندفعت مغادرة في انفعال وكأن هناك سحب من الدخان تتصاعد من أذنيها. تابعتها بهاء حتى اختفت وسط الحشد وهمهمت في تلبك
شكلها اتحرج أوي.
رد بغير اكتراث
مش فارق
أجالت بنظرها على ما يحيط بها في توتر ممزوج بالخجل وسألته مجددا في لهجة مالت للرسمية
صحيح حضرتك بتعمل إيه هنا
منحها ابتسامة عذبة قبل أن يطلب منها وهو يطالعها بنظرة متألقة
بلاش الرسميات دي هنا خلينا نتكلم عادي..
ثم أشار لها بيده لتجلس
اتفضلي ارتاحي.
استجابت له وعادت للاستقرار في مقعدها ليتخذ هو نفس الموضع الذي كانت تجلس عليه تلك السخيفة فيبدو أكثر قربا