الجمعة 20 ديسمبر 2024

رواية جلاب الهوى (كاملة حتي الفصل الاخير) بقلم رضوى جاويش

انت في الصفحة 4 من 5 صفحات

موقع أيام نيوز


الشاي الساخن التي أعدت على ڼار الركوة مرة اخرى وعدل عبدالمحسن من وضع ربابته واحتضنها في هيام و بدأ عذفه وشدوه لينقل الجميع لعالم اخر وهو يترنم بأبيات السيرة الهلالية هاتفا 
بعد المديح ف المكمل ..
احمد ابو درب سالك..
احكى ف سيرة واكمل .. 
عرب يذكروا جبل ذلك .. 
ويا آه .. يا عيني على آه .. 

يابا آه .. يا عيني على آه .. 
ويا آه .. يا عيني على آه ..
يابا آه .. يا عيني على آه ..
كان الرجال منتشين مرددين خلف عبدالمحسن وكانت دلال تجلس بالقرب من ذاك الحدث على احد المقاعد وسط مجلس النساء تتلحف بشال امها تضمه اليها ليبعث بها الدفء وهى تتطلع لذاك الجو الساحر حولها .. 
اخذها الغناء كليا وبدأت تندمج مع الملحمة الملقاة بصوت عبدالمحسن القوي .. وفجأة سقطت عيناها على محياه .. كان يقف بالقرب مستندا على شجرة ضخمة بأحد الأركان يلتحف عباءته السوداء ويضم الى كفيه كوبا من الشاي.. وتساءلت منذ متى كان هنا !.. لقد شارك الرجال في مشروبهم منذ البداية وهى التي كانت غافلة عن وجوده .. عادت بمخيلتها للحكاية التي تسرد على مسامعها لكنها حولت ناظريها لموضعه عندما هتف عبدالمحسن في سلطنة 
سيرة عرب أجدمين .... 
كانوا ناس يخشوا الملامة 
رئيسهم بطل سبع ومتين ..
يسمى الهلالي سلامة ..
وجسدته بعين خيالها .. ابوزيد الهلالي ذاك البطل الأسمر الذي قاد قومه بني هلال في تغريبتهم حتى ارض تونس الخضراء بحثا عن ارض تقلهم ومأوى يضمهم وتذكرته وهو يحمل شعلته قائدا أهله يوم السيل الي حيث الأمان في كنف بيت النعماني .. ابتسمت في وله وهى تعقد هذه المقارنة وظلت عيناها معلقة به .. ببطلها .. الذي كانت تعتقد انها ستحمل ذكراه وصور تلك الليالي معها بذاكرتها ما ان ترحل تاركة النعمانية خلفها لكنها ادركت انها كانت مخطئة .. فهناك ذكريات كتلك لا محل لها الا سكن الروح .. وللأبد ..
حمد الله انه عاد مسرعا ما ان سمع ما حدث فما ان وصل النعمانية اوبالأدق حدودها حتى بدأت القيادات والصحافة في الوفود للوقوف على اخر اخبار تلك البلدة الصغيرة التي عزلها السيل عما حولها من البلاد ولا طريق لمعرفة ما يجري بالداخل نتيجة لانقطاع الكهرباء والاتصالات بوجه عام .. حتى انه لا اخبار مؤكدة عن وجود ضحاېا اوحتى معرفة عددهم .. 
كان كل شئ مبهم ولا تقدير حقيقي لحجم التلفيات والخسائر.. كلها تقديرات جذافية فما كان احد بقادرعلى الدخول للبلدة .. الا بعض المروحيات التي حلقت لبعض الوقت فوق النجع لحصر ما يمكن حصره .. 
لم ينم لساعة كاملة لمدة يومين كاملين .. فالوضع كان جد خطېر.. حتى مبني النقطة الذي كان من طابقين والذي كان مقام على اطراف النجع قد لحق به الاذي وما كان باستطاعته دخول طابقه الاول الذي كانت المياه تصل لما فوق ركبتيه اذا ما فكر ان يدخل من الاساس .. كان يبيت ليله بالصندوق الخلفي لعربة الشرطة حتى اشعار اخر .. 
ورغم كل ما يحدث .. و رغم كل ما يعان .. الا انها لم تغب عن باله لحظة واحدة .. كانت تطالعه ابتسامتها النادرة التي ما كانت تظهرها الا في مناسبات خاصة فهو يعلم انها كانت تتصنع الجدية في حضرته .. هى ابدا لم تدفعه لحبها .. بل انه يشهد انها كانت في كثير من الأحيان تدفعه بعيدا عنها .. تقصيه عن دربها لكن هو من أبى الابتعاد .. هو من تبعها كعباد شمس يتبع ضوء نهار .. 
انه يعترف الان ان لا قبل له على اخراجها من قلبه الذي تشبث بها منذ اللحظة الاولى التي نظر فيها لعينيها ..هو لا ينكر ان ما سمعه من امها من حقائق قد هزه قليلا .. لكنه كان اهتزاز للصدمة ليس اكثروان ما علمه لم يغير من مكانتها بقلبه ابدا .. كل ما كان بحاجة اليه هو خلوة كهذه التي يعيشها قسرا حتى يستطيع ترتيب افكاره واتخاذ قراره
وها هو يتخذ قرارا لا رجعة فيه.. 
قرار صادر من اعماق روح تدرك تماما انها لن تهنأ الا بقربها .. قرار لن يتنازل عن تنفيذه في اقرب فرصة .. و سيفعل المستحيل لجعلها توافق .. 
انتفض خارجا من شروده عندما هتف به احد عساكره مؤديا التحية العسكرية اشارة يافندم .. 
انتشلها شريف من بين يديه هاتفا به هات يا اخرة صبري .. 
توقف للحظة مدركا امر ما وتطلع للعسكري في صدمة واخيرا همس رافعا كفيه للسماء داعيا لله في تضرع بقى دي اخرتها يا رب !.. يبقى ده اخرة صبري ! و اشار للعسكري الذي كان يقف متعجبا لأفعال ضابطه الذي استطرد هامسا لا والنبي يا رب .. انا عايزها هى تبقى اخرة صبري .. وحشتيني يا زينبو .. أمتى الاجازة تيجى بقى..!.. 
اندفع مبتعدا ينفذ أوامر الإشارة والعسكري من خلفه يضرب كفا بكف متعجبا لافعال شريف باشا الذي ما عادت قواه العقلية تنبئ بالخير.. 
شعرت انها تكاد تختنق من البقاء فى الداخل اكثر من هذا .. اربع ليال كافية لتظل حبيسة مندرة البيت الكبير مع كل هذا العدد من النسوة .. انها تشعر برغبة قوية فى استنشاق الهواء الطلق وان تكون وحيدة لبعض الوقت تسترجع الاحداث و ترتبها فى مخيلتها .. 
هبطت الدرج ذي الثلاث درجات واتجهت مبتعدة لا تلو على شئ.. تشعر بخواء عجيب داخلها وإحساس برهبة تتملكها لا تدرك لها سببا .. 
لم تع لشرودها انها تخطت حدود البيت الكبير وبدأت فى الهبوط تدريجيا لتتوقف قبل ان تصل لتلك الطرق الضيقة الموحلة بعض الشئ عن تلك التى بأعلى التبة المقام عليها بيت النعماني .. 
تطلعت للمشهد الخلاب قبالتها وهى تستند على شجرة سدر ضخمة .. كان الجبل مهيبا يعكس عظمة وشموخ لا يستهان به وبين ذراعيه تقبع النعمانية التى غطاها السيل بذاك الشكل حتى غمرها كليا فطمس معالمها الخضراء وحولها لقطعة منه تحمل نفس لون الثرى الغني والذى اصبح اكثر قتامة بسبب مياه السيول التي اختلطت به وازالت عن كاهليه أتربة عصور مضت ليشع بهاء من جديد ليصير بهذا الحسن الذى ما رأته عليه سابقا .. 
تنهدت وما ان همت بالاستدارة لتعود من حيث أتت حتى تناهى لمسامعها صوت خيل قادمة من البعد .. تطلعت الى الطريق تستطلع القادم على الرغم من ان قلبها قد اخبرها كنهه قبل عينيها الا ان عيونها ظلت معلقة بالطريق المتعرج حتى ظهر بالفعل امام ناظريها وما هى الا لحظة حتى كان يشرف عليها من على صهوة فرسه متطلعا اليها فى تعجب .. 
كانت تتوقع ان يعاتبها على خروجها من البيت الكبير بعد ان اكد عدة مرات ان السيل قد جرف معه هوام الارض وان الحيات و العقارب خرجت من جحورها وعلى الجميع الحذر فالنعمانية لاتزل على عزلتها وما من سبيل لإنقاذ احدهم اذا ما اصابته لدغة ما .. 
لكن ما حدث كان اشد وعورة ولم يقتصر
 

انت في الصفحة 4 من 5 صفحات